في الظاهر، الطلاق مجرد نهاية لعلاقة زوجية: ورقة تُوقَّع، باب يُغلق، واثنان يقرران الانفصال. لكن خلف هذه الظاهرة التي تتكرر، بحسب الأرقام الرسمية، كل تسع دقائق في السعودية، تكمن أزمة أعمق بكثير…

أزمة حرية الاختيار

جيل اليوم لم يعد كما كان بالأمس. لم يعد يقبل أن يُساق إلى الزواج كصفقة اجتماعية أو كواجب عائلي، ثم يُترك ليواجه وحده نتائج علاقة لم يخترها بقلبٍ كامل ورغبة حقيقية. ولهذا، نرى الزيجات التي تُبنى على الضغوط تنهار بسرعة، لأنها تبدأ من فراغ داخلي، من قناعة ناقصة. الحرية هنا ليست ترفاً، بل شرطاً أساسياً لبقاء العلاقة ونمائها.

الطلاق إذن ليس “مرضًا” اجتماعيًا بحد ذاته، بل هو عرض لخلل أكبر: زواج لم يُبنَ على القناعة، بل على مجاملات، أو على خوف من كلام الناس، أو على حسابات لا ترى الفرد بقدر كافي كما ترى العائلة والقبيلة. لهذا السبب، تحدث نسبة كبيرة من حالات الطلاق (تصل إلى 65%) في السنة الأولى: لأن أول خلاف حقيقي كفيل بفضح هشاشة الأساس.

المشكلة أننا لا نزال نلقي اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي أو على “قلة صبر” الشباب. وكأن الخلل في التكنولوجيا أو في الجيل الجديد. بينما الحقيقة أن التكنولوجيا مجرد مرآة، والشباب ربما كانوا أكثر صدقًا مع أنفسهم من أجيال سبقتهم: لم يعودوا يجيدون التمثيل أو العيش تحت أقنعة. إنهم يريدون شريكًا يختارونه هم، لا يختاره المجتمع نيابة عنهم.

هنا يتحول الطلاق من قرار شخصي إلى مرآة اجتماعية. هو شهادة على أننا ما زلنا نضع التقاليد أحيانًا قبل القناعة، ونضع الشكليات قبل العمق. وربما هذه هي رسالته الأعمق: أن مؤسسة الزواج تحتاج مراجعة لا من حيث قدسيتها، بل من حيث طريقة بنائها.

والحل لا يكمن في إدانة الطلاق، بل في بناء زيجات أكثر وعياً. أن نعطي الشباب مساحة للتعارف الحقيقي، وأن ندعمهم ببرامج إرشادية، وأن نجعل الاختيار الحر أساساً للعلاقة، لا استثناءً.

ربما يومًا ما، سنفهم أن الطلاق لا يكشف أزمة أخلاق أو أزمة تكنولوجيا، بل يكشف أولًا أزمة حرية اختيار.

وعندها فقط، سنبدأ في بناء أسر أقوى وأكثر استدامة.

✍️ ختام المقال

دعوة للتأمل…. إلى أي مدى يمكن للعادات أن تحمي الأسرة فعلاً، ومتى تتحول من درعٍ واقٍ إلى قيدٍ يضعف علاقتها من الداخل؟

🖋️ الحرية في الاختيار لا تضمن النجاح، لكنها تضمن أن يكون الفشل درسًا، لا قيدًا.
أحمد آنوي

Posted in

Leave a comment